سورة الحج - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


قوله تعالى: {على حرف} قال مجاهد، وقتادة: على شكٍّ، قال أبو عبيدة: كل شاكٍّ في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم. وبيان هذا أن القائم على حرف الشيء غير متمكِّن منه، فشبِّه به الشاكُّ، لأنه قّلِقٌ في دينه على غير ثبات، ويوضحه قوله تعالى: {فإن أصابه خير} أي: رخاءٌ وعافية {اطمأنَّ به} على عبادة الله {وإِن أصابته فتنة} اختبار بجدب وقلّة مال {انقلب على وجهه} أي: رجع عن دينه إِلى الكفر. والمعنى: انصرف إِلى وجهه الذي توجه منه، وهو الكفر، {خسر الدنيا} حيث لم يظفر بما أراد منها، {و} خسر {الآخرة} بارتداده عن الدين. وقرأ أبو رزين العقيلي، وأبو مجلز، ومجاهد، وطلحة بن مصرف، وابن أبي عبلة، وزيد عن يعقوب: {خاسِرَ الدنيا} بألف قبل السين، وبنصب الراء {والآخرةِ} بخفض التاء. {يدعو} هذا المرتد، أي: يعبد {مالا يضره} إِن لم يعبده {ولا ينفعه} إِن أطاعه {ذلك} الذي فعل {هو الضلال البعيد} عن الحق {يدعو لَمَن ضَرُّه} قال بعضهم: اللام صلة، والمعنى: يدعو مَن ضره. وحكى الزجاج عن البصريين والكوفيين أن اللام معناها التأخير، والمعنى: يدعو مَنْ لضرِّه {أقربُ من نفعه}، قال: وشرح هذا أن اللام لليمين والتوكيد، فحقُّها أن تكون أول الكلام، فقدِّمت لتجعل في حقِّها. قال السدي: ضره في الآخرة بعبادته إِياه أقربُ من نفعه.
فإن قيل: فهل للنفع من عبادة الصنم وجه؟
فالجواب: أنه لا نفع من قِبَلِه أصلاً، غير أنه جاء على لغة العرب، وهم يقولون في الشيء الذي لا يكون: هذا بعيد.
قوله تعالى: {لبئس المولى ولبئس العشير} قال ابن قتيبة: المولى: الولي، والعشير: الصاحب، والخليل.


قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة} قال مقاتل: نزلت في نفر من أسد، وغطفان، قالوا: إِنا نخاف أن لا يُنْصَرَ محمدٌ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود، وإِلى نحو هذا ذهب أبو حمزة الثمالي، والسدي. وحكى أبو سليمان الدمشقي أن الإِشارة بهذه الآية إِلى الذين انصرفوا عن الإِسلام، لأن أرزاقهم ما اتَّسعت، وقد شرحنا القصة في قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}.
وفي هاء {ينصره} قولان:
أحدهما: أنها ترجع على {مَن}، والنصر: بمعنى الرزق، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء، وبه قال مجاهد. قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر، فقال: مَنْ ينصرني نصره الله، أي: من يعطيني أعطاه الله، ويقال: نصر المطر أرض كذا، أي: جادها، وأحياها، قال الراعي:
إِذا أدبر الشهر الحرام فودعي *** بلاد تميم وانْصُرِي أَرْضَ عَامِرِ
والثاني: أنها ترجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً، رواه التميمي عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة. قال ابن قتيبة: وهذه كناية عن غير مذكور، وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر، وآخرون من المشركين، يريدون اتَّباعه، ويخشَوْن أن لا يتم أمره، فقال هذه الآية للفريقين. ثم في معنى هذا النصر قولان:
أحدهما: أنه الغلبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنه الرزق، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {فليمدد بسبب إِلى السماء} في المراد بالسماء قولان:
أحدهما: سقف بيته، والمعنى: فليشدد حبلاً في سقف بيته، فليختنق به {ثم ليقطع} الحبل ليموت مختنقاً، هذا قول الأكثرين. ومعنى الآية: ليصور هذا الأمر في نفسه لا أنه يفعله، لأنه إِذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم.
والثاني: أنها السماء المعروفة، والمعنى: فليقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِن قدر، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {ثم لْيقطع} قرأ أبو عمرو، وابن عامر: {ثم لِيقطع} {ثم لِيقضوا} [الحج: 29] بكسر اللام. زاد ابن عامر {ولِيوفوا} [الحج: 29] {ولِيطوفوا} [الحج: 29] بكسر اللام أيضاً. وكسر ابن كثير لام {ثم لِيقضوا} فحسب. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بسكون هذه اللامات، وكذلك في كل القرآن إِذا كان قبلها واوٌ أو فاءٌ أو ثم، قال الفراء: من سكَّن فقد خفف، وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء، فأكثر كلام العرب تسكينها، وقد كسرها بعضهم. قال أبو علي: الأصل الكسر، لأنك إِذا ابتدأت قلت: ليقم زيد.
قوله تعالى: {هل يذهبن كيدُه} قال ابن قتيبة: المعنى: هل تُذهبن حيلتُه غيظَه، والمعنى: ليجهد جهده.
قوله تعالى: {وكذلك} أي: ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القرآن {أنزلناه} يعني: القرآن. وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله تعالى: {إِن الله يفصل بينهم} أي: يقضي {يوم القيامة} بينهم بادخال المؤمنين الجنة، والآخرين النار {إِن الله عل كل شيء} من أعمالهم {شهيد}.


قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدَّوابُّ} أي: ألم تعلم. وقد بيَّنَّا في سورة [النحل: 49] معنى السجود في حق من يعقل، ومن لا يعقل.
قوله تعالى: {وكثير من الناس} يعني: الموحدين الذين يسجدون لله.
وفي قوله تعالى: {وكثير حق عليه العذاب} قولان:
أحدهما: أنهم الكفار، وهم يسجدون، وسجودهم سجود ظلّهم، قاله مقاتل.
والثاني: أنهم لا يسجدون؛ والمعنى: وكثير من الناس أبى السجود، فحق عليه العذاب، لتركه السجود، هذا قول الفراء.
قوله تعالى: {ومن يُهن اللهُ} أي: من يُشْقِه الله فما له من مُسْعِدٍ، {إِن الله يفعل ما يشاء} في خلقه من الكرامة والإِهانة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8